رحم الله الأولين ؛ فقد كانوا يتقنون مهارة "خاطبوا الناس على قدر عقولهم"
كتب نيفين مكى
فكم من معتقدات غيرها وسلوكيات عدلوها بفضل الله ثم بفضل هذه المهارة.
فعندما دخل الإسلام مصر كتب "عمرو بن العاص" إلى أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" مكتوبا يشرح فيه عادة"وفاء النيل"عند المصريين وإلقاء عروس للنيل من أجمل الفتيات فى وقت معين من العام ظنا منهم أن النيل لن يفيض ولن يعم الخير منه إلا بهذه العادة ؛ فكان رد الحكيم "عمر"عبارة عن مكتوب وجهه للنيل خاطبه قائلا "إن كنت تجرى بأمر منك فلا حاجة لنا بك وإن كنت تجرى بأمر من الله فاجرى بأمر الله وإذنه" وأمر سيدنا "عمرو بن العاص"بإلقاء هذا الخطاب للنيل على مرأى ومسمع من الناس جميعا.
وإذا تأملنا هذا الموقف يراودنا سؤال هام : هل كان أمير المؤمنين بحاجة إلى هذا السؤال الموجه للنيل؟!!
أليست عقيدة "عمر"هى أن النيل إحدى مخلوقات الله ويجرى بأمر الله دون أدنى شك!!!؟
فنجد أن الخطاب هنا كان موجها للمصريين وليس للنيل فقد خاطب المصريين على قدر عقولهم ودخل فى دائرة معتقدهم وفكرهم وخاطبهم بنفس المنطق ونفس الحجة فهم يتعاملون مع النيل كأنه ملك حاكم يملك زمام أمره وأمرهم ومن هذا المنطلق خاطبه وكأنه فعلا متحكم بالأمر.
و كالذى مر على قرية فوجد الناس يتهافتون على بضاعة رجل واحد ويتكالبون لشراءها فلما سألهم عن نوع البضاعة كان جوابهم "إنه يبيع الجنة بالمتر" وكلنا يريد شراء أكبر عدد من الأمتار.....ففكر الرجل واستخدم نفس المهارة "خاطبوا الناس على قدر عقولهم" فلم يختار أن يعتلى منبر ويخطب فى الناس ولا اختار أن ينهرهم ويزجرهم أو حتى يهجرهم لسفاهة عقولهم بل أخذ خطوة إيجابية وتوجه نحو التاجر النصاب وبصوت عال قال له "بكم النار اليوم؟"فالتفت التاجر والتفت الناس جميعا فى استنكار واستغراب ودهشة و رد التاجر "النار سلعة راكدة لا يرغب بشراءها أحد " فقال الحكيم :إذن أشتريها منك كلها واشتراها بثمن بخس وتمم الصفقة أمام الجميع ؛ وتوجه إلى مكان مرتفع ونادى الناس قائلا "ايها الناس لا حاجة لكم اليوم لشراء صكوك الجنة فقد اشتريت النار و سأعطيكم صكوك بوعد ألا تدخلوها" وبذلك أفسد على التاجر النصاب بضاعته المزيفة..
وفى زماننا نجد الكثير من أصحاب العقول السفيهه والساذجة وهذا وارد ولكن التعامل برفق مع هؤلاء و لين الكلام معهم يحافظ على صحتنا النفسية اولا ومن ثم يجعلنا نكسبهم ونعدل سلوكهم لأننا جميعنا فى نفس المركب ؛ومثل هؤلاء يستحقون الشفقة وليس الجدال ؛ فرفقا بالعقول أعزكم الله و لنحمد الله أننا فى صفوف العاقلين وليس فى صفوف الغافلين ولنأخذ بيد الغافل والمتسرع و صاحب الرأى المتصلب ونصير عليهم لعلنا ننجو سويا.
متعكم الله بنعمة العقل والسلام النفسى وتقبل الآخر ومرونة الفكر ..آمين
تعليقات
إرسال تعليق
ملاحظة:
-لا تنشر تعليقات غير مرغوب فيها. ستتم إزالته فور مراجعتنا
- تجنب تضمين عناوين URL الخاصة بموقع الويب في تعليقاتك.