✍️ نيفين مكى
السلام_النفسى_والعبور_للداخل
كلما أتى شهر اكتوبر اجد خيالى يغوص فى أعماق اللاوعى ويفتح "شكمجية "الذكريات ويستخرج صور ذهنية قديمة لهذا الشاب الضخم قوى البنية الذى كلما سمع صوت طائرة اعتلاه الرعب والرجفة والترددات الكهربية تظهر على كل جسدة و كأن هناك تيار كهربى يسرى فى هذا الجسد الضخم عظيم الأكتاف طويل الساقين وفجأة يتكور على نفسه ويلملم رجفاته ويجرى ليختبىء تحت سرير جدتى ذو الأعمدة النحاسية المنحوتة فى شكل رأس الأسد الغاضب ويظل هكذا تحت السرير على نفس الوضع حتى يتلاشى صوت الطائرة من الوجود تماما ويطمئن فيخرج من بين جنبات ارجل السرير متسللا يترقب كل من هم حوله.
أنه عمى الذى أحببته وكان يدللنى كثيرا كان يرفعنى لأعلى سقف الحجرة ثم يتلقفنى وانا فى منتهى السعادة حتى عندما تزوج وانجب اولى بناته سماها بنفس أسمى من شدة تعلقه بى.
أنه البطل /شوفى محمود احمد مكى بطل كتيبة الصاعقة الذى فقد فى الصحراء بعد ما ماتت كل أفراد كتيبته بأبشع طرق الموت التى كان أقلها ان بتقطع الرجل منهم إلى نصفين ..ماتوا جميعهم أمام عينه وتشرد فى الصحراء فى أرض سيناء الطاهرة التهم الثعابين والعقارب شرب من بوله لأسابيع ثم ارتمى أرضا على الرمال فاقدا للذاكرة وفاقدا للوعى من هول مارأى , وتلقفه أحد الاعراب وداواه .. وكتب فى الكشوف من المفقودين حتى عاد بعد انتهاء الحرب بسنوات عديدة قضى فى الجهادية ما يقرب من ١٢سنة .
لحظة عودته لا يتخيلها عقل "جدتى "بعد أن تلقت فيه العزاء منذ سنين واعتبرته شهيد وودعته بقلبها مثلما ودعت عمى "محمد"غريقا من قبله وكانت قد ربتهم ايتام بعد فقدانهم لأبيهم صغارا ها هو يعود إليها ويدخل عليها حجرتها وتتأمله وعيناها تتسع حدقتيها وكأنها ترى روح من عالم آخر يالها من لحظات لو تقمصها ممثلو العالم أجمع لن يصلوا ابدا إلى هذا الإحساس لقد عانقته بعينيها وبكل حواسها قبل أن يصل جسده بجسدها ويألها من خطوات ومسافات طويلة تلك التى فى جنبات الحجرة حتى يصل إليها و يلامس جسده جسدها.
عاش حياة معذبة بمرض الصرع الذى لازمه طوال حياته وفى كل نوبه تخرج عظام ذراعه من مفصلها فيعترض صاحب العمل ويطلب منه الاستقالة ,لقد حاول عمى أن يعيش حياته كشاب عادى وينسى ويلات الحرب لكن اثار الحرب على جسده المتمثلة فى نوبات الصرع كانت دائما تلاحقه وافسدت عليه حياته وابعدته حتى عن أولاده وأسرته فيما بعد وبالرغم من هذا كنت لا أراه إلا مبتسما "سليم القلب"لا يحمل اى ضغينة لأحد ، يحب الناس أجمعين حتى هذا اليوم الذى أصبحنا فيه على اتصال من ابن عمى الأكبر يخبرنا بوفاة عمى "شوقى" الذى وجده مبللا بماء الوضوء لصلاة الفجر وكان متجها لباب البيت ليخرج للصلاة ولكن فاجأته النوبة اللعينه فطرحته أرضا وكانت نهاية حياة البطل الذى عاش فى الظل ولم يأخذ حقه فى الحياة والشهرة مثلما أخذ الكثيرون ، حتى معاش المحاربين القدامى لم يحصل عليه وكأنه ترك كل شىء ليتأجر مع الله وادخره للآخرة.
بطل السلام النفسى الذى عبر للداخل.
وداعا عماه
وداعا بطلى /شوقى مكى.
نيڤين مكى
تعليقات
إرسال تعليق
ملاحظة:
-لا تنشر تعليقات غير مرغوب فيها. ستتم إزالته فور مراجعتنا
- تجنب تضمين عناوين URL الخاصة بموقع الويب في تعليقاتك.